الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا
رسول الله وآله وصحبه.
السيد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة،
السيدات والسادة الوزراء،
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري واعتزازي أن أفتتح اليوم العالمي للتغذية، الذي يتطرق هذه السنة لموضوع التغيرات المناخية والأمن الغذائي.
وأود بهذه المناسبة الإشادة والتنويه بالسيد كرازيانو دا سيلفا، ومن خلاله بكافة العاملين في منظمة الأغذية والزراعة، على تنظيم هذا الموعد السنوي المخصص لمحاربة الجوع وسوء التغذية. ففي كل سنة، يسلط هذا اليوم العالمي الضوء على إحدى القضايا العديدة المرتبطة بالأمن الغذائي، سواء تعلق الأمر، على سبيل المثال، بالهشاشة والفقر في العالم القروي، أو بأنظمة الإنتاج الزراعي المراعية للبيئة والتنوع البيولوجي، أو أيضا بإدماج المرأة والشباب.
يُعد الأمن الغذائي أحد أكبر التحديات التي تواجهها البشرية اليوم. بالفعل، فبينما يعاني ما يناهز 800 مليون شخص اليوم من انعدام الأمن الغذائي، فإنه يتعين الرفع من الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة 70 بالمائة بحلول سنة 2050 ، لتلبية حاجيات سكان العالم، الذي يُتوقع أن يصل عددهم إلى 9 ملايير نسمة.
وأمام تدهور الموارد الطبيعية وتردي التربة، وتفاقم حدة الإجهاد المائي وتسارع وتيرة النمو العمراني، ينبغي إدخال تطويرات عميقة في المقاربة التي ننهجها للإحاطة بمستقبل الزراعة والتغذية.
وفي هذا الصدد، يبرز البعد الرمزي لالتئام أكثر من 100 عُمدة، الموقعين على اتفاقية ميلانو للسياسات الغذائية في المجال الحضري، لمناقشة موضوع توفير الأغذية الجيدة في هذا المجال.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
لقد كانت أنظمتنا الزراعية، عبر العصور، تهدف إلى ضمان أمننا الغذائي، مع الحفاظ على البيئة وحماية الموارد الطبيعية. أما اليوم، فينبغي لها أن تساهم في مكافحة التغيرات المناخية والتأقلم معها.
وتعد الفلاحة قطاعا له إسهام كبير في التخفيف من آثار هذه التغيرات، ذلك أن تحسين الممارسات الفلاحية لا يساعد فحسب على خفض مستوى انبعاث الغازات الدفيئة، بل يساهم أيضا في الحفاظ على قدرة التربة على احتجاز الكربون والحد من اندثار الغابات. كما يساهم هذا القطاع في تمكين مجالات أخرى، كالطاقة والنقل والبناء، من الحد من آثارها على البيئة، وذلك من خلال توفير مواد بديلة تستخرج من الكتلة الحيوية الزراعية أو الغابوية.
كما يكتسي تكييف القطاع الفلاحي الأهمية ذاتها، فهو يأتي، كما أكدت على ذلك منظمة الأغذية والزراعة، في صدارة الأولويات 3 المسطرة في المساهمات المرتقبة المحددة وطنيا، بالنسبة للغالبية العظمى من الدول.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
لقد شكلت سنة 2015 منعطفا تاريخيا في هذا الصدد، حيث تم تبني ثلاث اتفاقيات هامة، وهي خطة عمل أديس أبابا حول تمويل التنمية، وأجندة الأمم المتحدة لسنة 2030 للتنمية المستدامة، واتفاق باريس حول المناخ.
كل هذه الاتفاقيات، تضع مرة أخرى التنمية المستدامة والعادلة والتضامنية في صلب الأولويات والرهانات الدولية. فهي تؤكد على ضرورة اتخاذ مبادرة جماعية عاجلة، وتدعو، في نفس الوقت، إلى اتباع مقاربة شاملة ومندمجة وغير مقصية، تأخذ بعين الاعتبار محدودية الموارد الطبيعية وضرورة تضامن مزدوج : بين الأجيال وضمن الجيل الواحد.
ولقد اختارت المملكة المغربية، من منطلق انخراطها التام في هذا المسار، أن تجعل من الدورة 22 لمؤتمر المناخ (كوب 22)، التي ستحتضنها مدينة مراكش في شهر نونبر المقبل، دورة العمل والتنزيل الفعلي لبنود اتفاق باريس.
وفي هذا الصدد، ستعمل الرئاسة المغربية على الحفاظ على روح التعبئة التي سادت في باريس، على مستوى تعزيز التمويل المخصص للمناخ وتطوير الخبرات ونقل التكنولوجيا، مع التركيز على تعزيز 4 قدرات التكيف بصفة خاصة لدى بلدان الجنوب والبلدان الجزرية الصغيرة.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن الرهان الذي سيكون على دورة كوب 22 رفعه، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس، هو “إسماع صوت القارة الإفريقية، قارة متحدة وقوية، ملتفة حول قضاياها، قارة يسمع صوتها ويصغى إليها“.
ويعتبر الأمن الغذائي محورا أساسيا من محاور التنمية في القارة الإفريقية، التي تضم 60 بالمائة من الأراضي الزراعية غير المستصلحة في العالم. ومن خلال التحرك في اتجاه التكييف والتخفيف، ستصبح الزراعة الإفريقية قادرة على أن تشكل جزأ من الحل المنشود لمواجهة التغيرات المناخية ولضمان الأمن الغذائي الشامل.
وفي هذا السياق، يطلق المغرب مبادرة جديدة من أجل إفريقيا، تشكل امتدادا للمبادرات الأخيرة لفائدة الفلاحة الإفريقية، خصوصا إعلان أبيدجان لصالح تنمية زراعية إفريقية متكيفة.
وما هذه المبادرة المغربية من أجل “تكييف الفلاحة الإفريقية” إلا دعوة للعمل. فهي تهدف لجعل هذا المحور من أولويات جدول أعمال مؤتمر كوب 22 . وتستمد المبادرة قوتها من العلاقة التي تقيمها بين مجالات كل من المناخ والمساعدات من أجل التنمية، واللذين كان يتم التطرق إليهما فيما سبق بطريقة منعزلة.
وتهدف هذه المبادرة، من جهة، إلى تعزيز خطوط التمويل الموجهة لتكييف الفلاحة الإفريقية، وإلى تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الميدانية الخاصة وذات الأولوية في مجال الأمن الغذائي، من جهة أخرى.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن مصير كوكبنا لايزال بين أيدينا، ولا يجب أن نتركه يفلت منا. فلازال لدينا الوقت للتحرك من أجل خفض تأثيرات التغيرات المناخية على فلاحاتنا.
أما إذا وقفنا مكتوفي الأيدي أمام آثارها على الأمن الغذائي والمائي، فإن كل ما حققناه من مكتسبات خلال العقود الماضية في مجال التنمية سيوضع موضع الشك، وسيحول دون أي تقدم.
لقد بات إذاً من الواجب علينا جميعا التحرك من أجل السهر على اتخاذ التدابير العاجلة والكفيلة بضمان تطور يحترم حاجيات الإنسان وحاجيات كوكبه، وينسق بينها.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته