سواء تعلق الأمر بالسكان أو بملاعب الكولف فإن مراكش لم تعد تضخ مياهها الجوفية، وتعيد معالجة مياهها المستعملة.
مراكش، مدينة حديقة، لوحة تبهر العين، مند تأسيسها سنة 1062 من طرف المرابطين وهي تبحث دوما بعيدا عن المياه التي تشربها أو تسقي بها حدائقها وعرصاتها ورياضاتها المذهلة, في القرون الأولى من وجودها كان الماء يصل إليها من الأطلس على بعد 30 أو 40 كيلومتر، وكان يغذي المياه الجوفية الوفيرة، وكان خبراء الماء العرب يستعيدونها عبر الشبكات التحت أرضية الخطارات، غير أن الأزمنة الحديثة غيرت الأفق بمرتين.
التغيير الأول اتجه نحو الأسفل بتعويض الخطارات، المتخلى عنها اليوم، بثقوب عميقة في الفرشة الجوفية . وكان المكتب الوطني للماء الصالح للشرب الذي اندمج مع المكتب الوطني للكهرباء، قد أنجز عدة ثقوب من أجل تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب. إلى حدود 1983 كانت 100% من مصادر الماء المستهلك بمراكش تأتي من الحوضين المجاورين، حوض مراكش والنفيس.
مع نمو المدينة، ولكن أساسا مع تزويد للفلاحة، لا يزال أكثر أهمية، على الفرشة، فإن هذه الأخيرة بدأت تواجه انخفاضا قياسيا. لكن مع إنشاء سد الحسن الأول على نهر أم الربيع في بداية الثمانينيات ، بدأ المكتب الوطني للماء الصالح للشرب سنة 1984 في ضخ 40 مليون متر مكعب في السنة من مجموع 350 مليون التي تمثل قدرة قنال جر مياه السد، والباقي كان يوجه للفلاحة.
هذا البعد كان أبعد من أن يكون غير مجد، فحاليا تراجع عطاء ثقوب المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من صبيب 1800 لتر في الثانية سنة 1976 إلى 400 لتر في الثانية، ومنها ما نضب، هذه الوضعية استفادت من انتهاء أشغال سد ويرغان على واد النفيس سنة 2008، ومكنت من ضخ طلب جديد من فئة 17 مليون متر مكعب في السنة، لترتفع بذلك الحصة الإجمالية إلى 67 مليون متر مكعب، وهي حصة بالكاد كافية، ذلك ان مراكش تستهلك كل سنة 65 مليون متر مكعب من الماء.
مراكش لم تعد تضخ مياهها الجوفية
غدا، بتحويل مياه أم الربيع على مسافة 150 كيلومتر من سد المسيرة سيتم جلب 70 مليون متر مكعب إضافية في السنة، وهو ما يكفي لسد حاجيات المدينة حتى سنة 2030، فالقناة التي ستزود أسضا مراكز بنكرير وسيدي بوعثمان، وستزود المكتب الشريف للفوسفاط بالمياه الصناعية، ستكون عملية سنة 2018. وعند هذا التاريخ ستكون مراكش ممونة كليا بالمياه السطحية. وبالتالي فإنها ستكف عن ضخ مياهها الجوفية، متجاوبة بذلك مع سياسة الدولة التي تريد إعطاء الأسبقية لتعبئة المياه السطحية على المياه الجوفية.
على أبواب المدينة، سلم المكتب الوطني للماء الصالح لشرب مهمة توزيع الماء للوكالة العمومية لتوزيع الماء والكهرباء بمدينة مراكش التي تبيع لها الماء بالجملة, بعد فترة من نمو متوسط لمعدل الاستهلاك بنسبة 5% في السنة من 2004 إلى 2007، بل إلى مستوى قياسي بلغ 8% سنة 2007، فإن اهتمام الوكالة انصب على الاقتصاد، وخاصة على مردودية الشبكة، وقد مكنت جهود الترميم والاستثمار من رفع المردودية من 62% سنة 2006 إلى 73% سنة 2012. والنقط الإحدى عشر التي وفرتها تمثل 7 ملايين متر مكعب.
لكن الإنجاز الذي تفتخر الوكالة به يبقى هو محطة معالجة المياه المستعملة، فمند أقل من سنة كان المراكشيون وفاء لطبعهم يمزحون، عوض أن يغضبون، ويرددون بأن خضر السوق تزرع بما تطرحه المدينة على حالته الخام في الولجة حيث تمتد منطقة على بضع مئات من الهكتارات المزروعة بالنخيل, إن واد تانسيفت الجاف تقريبا على مدار السنة، يستعمل كقناة عمومية لصرف المياه المستعملة في مدينة بلغت ساكنتها 1.200.000 نسمة. في كل يوم تطرح 115.000 متر مكعب من المياه المستعملة في أربع نقط منها اثنان في الروافد، واد إيسيل لتأخذ مجراها بهدوء إلى المحيط الأطلسي على بعد 150 كيلومتر ولا تطهرها إل الفيضانات المتقطعة.
كان من الممكن أن تطول هذه الوضعية، غير أن إرادة اعلى سلطة في الدولة لهذه النقطة السوداء التي تلطخ الوجهة السياحية المتميزة، عجلت بوضع تصميم مديري لأنشاء محطة للتطهير، وقد كلفت الوكالة العمومية لتوزيع الماء والكهرباء في مدينة مراكش بإنجاز هذا المشروع بكلفة أولية حددت في 714 مليون درهم.
هذا المبلغ ارتفع إلى 1,2 مليار درهم عندما طلبت الدولة من الوكالة إدراج سقي 20 ملعب من الكولف بالمياه المعالجة، فبعد أن كان عددها لا يتعدى ثلاثة فإن المدينة شهدت إنجاز 17 ملعب جديد في بضع سنوات، وهذا التوسع كلف 486 مليون درهم لدفع معالجة المياه المستعملة، وإيصالها عبر قنوات طولها 86 كيلومتر إلى ملاعب الكولف.
وقد تمت دعوة هذه الملاعب للمساهمة في التمويل في حدود 30 مليون درهم لكل منها، والجماعة التي ترخص المشروع، تفرض على كل مستثمر جديد المساهمة ب30 مليون درهم. ورغم أن المنعشين لم يكن لهم الخيار، فإنهم انخرطوا، وكان عليهم أن يخصصوا مبلغا مساويا لأنشاء محطة للتطهير الخاصة بالمركبات العقارية المقامة على الموقع، ومن جهتها عمدت الوكالة إلى تقسيم الأداء على فترات، وفضلا عن ذلك فإن السقي بالمياه المستعملة عوض ضخ المياه الجوفية أمر جيد بالنسبة لسمعتهم.
لقد عرفت الوكالة صعوبات أكبر مع الفلاحين الذين لم يفهموا لماذا يتم حرمانهم من المياه التي يسقون بها حقولهم، لقد ذهبوا إلى حد ثقب المجاري الرابطة بالمحطة، والتظاهر مع كل أفراد عائلاتهم في الشارع العمومي, إن قليلا من السلطة وكثيرا من البيداغوجية، وأحيانا العكس، كان ضروريا للتمكن من تجاوز العائق.
واليوم، فغن محطة معالجة المياه المستعملة جعلت من مراكش مدينة نموذجية في مجال التطهير، وزيارات الوفود الأجنبية، كما هو الشأن بالنسبة لزيارات الأقسام الدراسية، تتوالى على المحطة حيث ينشط عدد كبير من الباحثين في جامعة المدينة، إن المحطة تنتج 45% من طاقتها انطلاقا من معالجة الميتان المنبعث من تخمر الأوحال، إنه أول مشروع يحصل على شهادة “ميكانيزم التنمية النظيفة” من طرف الأمم المتحدة، وهذا ما مكن من تسجيل المشروع لبرمجة بيع ائتمان الكربون في السوق الدولية.
لا يزال هامش المعالجة مرتفعا، ف “” مليون متر مكعب من المعالجة اثلاثية، الموجهة لملاعب الكولف ، لا تستعمل الآن إلا في حدود 5,6 مليون متر مكعب، وعندما تكون الملاعب العشرين جاهزة فإنها لن تعبئ أكثر من 20 مليون متر مكعب مما يوفر المياه المعالجة لمشاريع أخرى. مثل سقي النخيل انطلاقا من قنوات الكولف، وهذا المشروع يحظى بتتبع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة.
لقد تم لحد الآن إنجاز نقطتين للربط في الجهة الغربية (الولجة) والشرقية (أبيض) من النخيل، كما ستمكن شبكات القنوات الثانوية من سقي مساحات تصل إلى 1000 هكتار بالتنقيط أو بالساقية انطلاقا من حوض التخزين وذلك بعد مرحلة الاستثمار الأولى بقيمة 40 مليون درهم و100 مليون درهم عند الانتهاء.
هناك مشروع رائد ثاني، يموله الفاو وتتبعه المياه والغابات، وهو يرمي إلى استعمال المياه المعبأة من قنوات الكولف في سقي الغابة المجاورة ليتم بذلك التجاوب مع حاجيات السكان الحضريين في مجال توفير فضاءات للاستراحة، وفي حال نجاح هذه التجربة الرائدة، سيتم تعميمها على مدن أخرى لتعبئة مياههم المستعملة والمعالجة،.وفي الأخير تبقى 35 مليون متر مكعب مطهرة بنسبة 60% تصرف حاليا في واد تانسيفت في انتظار مشاريع جديدة، غير أن محطة المعالجة، عند قلب ترتيب الأشياء، فتحت في مخيلة المراكشيين عالما جديدا من الإمكانيات لما فيه المنفعة، كل المنفعة للبيئة