1. سيحظى بأهمية خاصة في برنامج المؤتمر (من خلال الكلمات التمهيدية والمناقشات والمعارض والمنتديات).
2. لن يتم تناوله باعتباره محورا موضوعاتيا في حد ذاته، بل كخلفية مرجعية (في “أوراق العمل” وغيرها من “الموضوعات المتخصصة” للمؤتمر).
Iالمدينة وعلاقتها بالقرية: دواعي اختيار الموضوع
إن ما يبرر اختيار هذا الموضوع هو العدد المتزايد من السكان الذين يعيشون في المدن (أكثر من 50٪، أي 200.000 شخص يغادرون القرية كل يوم)، مما يتسبب في مشاكل الهجرة القروية واتساع رقعة الضواحي.
وتكتسي أسباب هذه الظاهرة طابعا سوسيو اقتصاديا وبيئيا وثقافيا.
1. الأسباب السوسيو اقتصادية: بسبب انخفاض الدخل في القطاع الفلاحي، يتوقع المواطنون أن يجدوا في المدينة مزيدا من الفرص للهروب من مشكل الفقر، وكأنهم يحلمون بالاستفادة من الارتقاء الاجتماعي.
2. الأسباب البيئية: إن تغير المناخ وعواقبه المتعددة (كالتغيرات في الدورات الموسمية، والتأثيرات على هجرة الحيوانات وعلى النباتات، وتفاقم الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والتصحر والفيضانات وانجراف التربة) يؤدي إلى فقدان التربة الخصبة ولكن أيضا إلى تزايد عدد “اللاجئين بسبب المناخ”، سواء داخل البلد الواحد أو بين البلدان. كما يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الوضعية التي تدهورت أصلاً بسبب الظواهر الناجمة عن النشاط البشري، مثل إزالة الغابات وتدمير المساكن والتلوث واستنزاف التربة من جرّاء المواد الكيميائية والمكننة، وكذا استخدام احتياطي الأراضي (من أجل إقامة البُنى التحتية والسكن والترفيه – مثل ملاعب الغولف وغيرها). غير أنه ينبغي التأكيد على أن القطاع الفلاحي في حد ذاته مسؤول عن تلوث المياه والتربة (كما قرأنا ذلك منذ 50 سنة مضت في كتاب المؤلفة راشيل كارسون – Rachel Carson “الربيع الصامت – Silent Spring”، أي أن إنتاج الأغذية يؤدي إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بنسب كبيرة).
3. الأسباب الثقافية: وتتمثل في أن المدينة تقدم المزيد من الفرص والإمكانيات الثقافية، في حين يُنظر إلى المناطق القروية على أنها أقل شأناً، إذ أن مهنة “الفلاح” (أو الراعي أو العامل في مجال الغابات) لا تتمتع بشأن عالٍ في نظر “المواطنين”، وبالتالي في نظر الثقافة المهيمنة (سواء حاليا أو في الماضي).
II الانعكاسات
تتركز معظم المدن الكبرى في البلدان النامية والناشئة، وإن كُنا نلاحظ في بعض القارات، كأوروبا مثلا، أن النسبة المئوية لسكان المدن تصل إلى أعلى المستويات.
وتؤدي حركة التمدّن إلى اكتظاظ المناطق الحضرية التي تعرف على نحو متزايد المشاكل الحالية المتعلقة بالعنف والتلوث. و تتفاقم آثار هذا الاكتظاظ بسبب زيادة التنقل بين البيت والمدينة التي نعتبرها مكانا للعمل أو الاستهلاك أو الاستفادة من الخدمات الثقافية (ونتحدث هنا عن مفهوم “مستعملي المدينة”).
وقد أصبح الزحف العمراني – Urban Sprawl (وهو النموذج “الأميركي” لتوسع المدن) ظاهرة عالمية. فأكثر المحظوظين يجدون في هذه الضواحي النائية والمدن التابعة منزلا أقل تكلفة، وحياة أكثر هدوءا، وظروفا بيئية أفضل، ولرُبّما توهّموا أيضا أنهم بذلك سيعيشون بالقرب من الطبيعة.
وفي المقابل، وبالنسبة لمئات الملايين من الفقراء، تشكل الهجرة إلى المدن فرصة للاكتظاظ في الأحياء الفقيرة والقرى التي تعاني من نقص الخدمات والعنف وتدهور الأحوال والجريمة والظروف المعيشية السيئة (في سنة 2010، بلغ عدد سكان الأحياء الفقيرة – slums 827,6 مليون نسمة، بزيادة قدرها 55 مليون نسمة منذ سنة 2000، وذلك حسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، 2010).
وموازاة مع هذه الحركات التي تعرفها المناطق الحضرية، تعتبر شيخوخة السكان في المناطق القروية ظاهرة تتكرر على نحو متزايد، ويرجع ذلك إلى التجديد الضعيف للأجيال بالقطاع الفلاحي (حيث يفضل الشباب أن يهاجروا داخل البلد أو نحو الخارج). ومع ارتفاع عدد السكان في المناطق الحضرية، يتناقص عدد سكان القرى بسبب إخلائها أو الهروب منها. وفي أحيان كثيرة، تساهم هذه الحركات في تدهور الأراضي بسبب توقف السكان عن صيانة الغابات والأنهار وأعمال الحفر، الخ…
III التحديات الكبرى
يجب أن يتم توضيح العلاقة بين المناطق الحضرية والقروية والطبيعية في ظروف مختلفة جزئيا، وذلك وفقا للأجزاء المختلفة من الكرة الأرضية، غير أن الأمر يتعلق حاليا بقضية محورية بالنظر إلى التحديات الرئيسية الثلاثة التي تواجه البشرية، والمتمثلة فيما يلي:
• الماه؛
• التغذية؛
• الطاقة.
وتعتبر هذه التحديات الثلاثة رهاناتٍ يمكن أن نكسبها أو نخسرها في المدينة وخارج المدينة على حد سواء.
وينبغي أن يلتزم العالم القروي التزاما قويا لا يمكن الوفاء به دون تنفيذ السياسات الأفقية التي ستُمَكن من فهم الترابطات بين جميع جوانب المشكلة والحاجة إلى إتباع مقاربة مندمجة.
وهنا تُطرح القضايا المستعجلة التالية:
• إيقاف (وربما عَكْس مسار) الهجرة القروية من خلال إعطاء قيمة للمناطق القروية، وتوفير جودة حياة عالية بهذه المناطق، ومحاربة الفقر لدى سكان القرى، وحماية المناظر الطبيعية، ووقف الاستهلاك المفرط للأراضي التي تشكل موردا استراتيجيا.
• تحسين جودة الحياة بالمناطق الحضرية وتشجيع التنمية المستدامة بالمدن.
وتكمن الحلول أساسا فيما يلي:
1. تحول جذري في مفهوم التطور الحضري واتباع طريقة جديدة في تصميم المدن، من خلال:
• الاستجابة للقضايا البيئية، عبر تدبير عنصر “الكثافة” بدلا من الزحف العمراني؛
• تنمية الموارد الاجتماعية وتشجيع روح المشاركة؛
• التطوير الفعال للخدمات العمومية التي تضفي على المدن طابع “الاستدامة”؛
• تطوير الأنشطة الفلاحية داخل المدن (عبر إنشاء الحدائق في المدن والضواحي كشكل من أشكال الاكتفاء الذاتي الجزئي، ولكن أيضا كعامل يساهم في تشجيع المشاركة، وإعادة استصلاح الفضاء الحضري).
2. إحداث تغيير عميق في استخدام الأراضي وتنظيم النظام الغذائي ككل (يشير “النظام الغذائي” هنا إلى مجموع سلسلة إنتاج المواد الغذائية وتحويلها وتوزيعها واستهلاكها، وكذا مجموع الشبكة المعقدة للعلاقات التي ينسجها القطاع الغذائي على جميع المستويات، سواء منها الإيكولوجية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية).
3. تطوير “الزراعة الإيكولوجية”، وهي نظام غذائي يحترم الحدود والتوازنات الهشة للكرة الأرضية.
4. تطوير علاقة مُحْكمة بين المناطق الحضرية والقروية. وعلى سبيل المثال، هناك حالات عديدة تتصل فيها المناطق الحضرية بالمناطق القروية، كما هو الحال بالنسبة للقطاعين الغذائي أو السياحي.
IV الاستجابة “التربوية”
تتمثل الاستجابة “التربوية البيئية” لهذه القضايا في مراعاة المستويات التالية:
1. المستوى البيئي: تعزيز المدن “المستدامة”، وذلك من خلال دعم الزراعة الإيكولوجية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وضمان “الحقوق الجينية” للغابات، والمحافظة على الأراضي الرطبة، وما إلى ذلك. كما يمكن تطوير الأمن وقدرة السكان على مقاومة الآثار الناجمة عن تغير المناخ (كالكوارث الطبيعية، والمشاكل الناتجة عن عدم الاستقرار الهيدروجيولوجي، الخ).
2. المستوى السوسيو اقتصادي: من خلال تعزيز أنماط الاستهلاك والشبكات المباشرة بين المستهلكين والمنتجين، وهي شبكات تمكن من تحسين الظروف المادية لسكان القرى، وتشجيع تعدد الوظائف بالأراضي الفلاحية قدر الإمكان (والتي يمكن أن تُستعمَل أيضا كبيوت للضيافة، ومزارع لاستضافة الشباب، ومخيمات فلاحية، ودور للحضانة، ومنازل فلاحية لاستقبال المُسنين، ومزارع من أجل الإدماج الاجتماعي للفئات المحرومة، ومزارع بمثابة مراكز رياضية وكذا مراكز للرفاه” الطبيعي”، الخ).
3. المستوى الثقافي: من خلال تعزيز المعرفة المحلية والتقليدية والأصلية، وتشجيع التنوع الثقافي، وتعزيز الثقافة والصورة الاجتماعية لسكان القرى، وتشجيع العلاقات في إطار مبدأ المساواة والتضامن والتعاون بين سكان المدن وسكان القرى، وكذا تعزيز دَوْر المرأة وقضايا تكافؤ الفرص بين الجنسين.
V الآليات التربوية
1. تعزيز سبل العيش المستدام في المدن
2. التمكين وتطوير القدرات في مجال إنشاء المشاريع من قبل سكان المدن، من أجل تطوير مشاركتهم، وتشجيع “الإبداع في المجال الحضري” والأنشطة الاقتصادية “الخضراء” والتعاون، الخ.
3. جعل عامل “الغذاء” عاملا للتماسك الاجتماعي في المناطق الحضرية (فبفضل التغذية، يستطيع المواطنون على سبيل المثال أن يطوّروا شبكات لشراء المنتجات مباشرة لدى الفلاحين وبالتالي تفادي سلاسل البيع والتوزيع المعقدة، وفي إطار هذه الشبكات، يمكنهم أيضا أن يقوموا بصيانة الحدائق النباتية والبساتين الحضرية وشبه الحضرية أو حتى التفكير في الالتزام بالاستهلاك العقلاني للطاقة بفضل طرح أفكار تهمّ أنماط حياتهم). كما يمكن لعامل “الغذاء” أن يشكل صلة وصل بين المدينة والقرية (ينبغي التذكير بأنه في غياب العمليات الطبيعية، فإننا لا نستطيع أن نعيش، كما ينبغي التذكير بضرورة معرفة “مَنْ” يُنتج الأغذية التي نتناولها، أي مصادر هذه الأغذية)، وتتجلى هذه الصلة على مستوى الممارسات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية وكذا القيم الفكرية والثقافية.
4. إيقاظ الوعي بالعلاقة بين البيئة والصحة، وبأهمية اتباع نظام غذائي صحي كنتيجة لأنماط الحياة الصحية والممارسات الفلاحية والمتعلقة بالصناعات الغذائية المستدامة.
5. إذكاء الوعي لدى واضعي السياسات وكذا الجمهور العريض بأهمية المناظر الطبيعية وبضرورة الحفاظ على احتياطي الأراضي العقارية وحماية البيئة، وإعطاء قيمة للوظائف التي يؤديها سكان القرى لفائدة الجميع.
6. و بالنسبة للمجتمعات القروية، فإن التربية تعني ما يلي:
• قدرة السكان على الدفاع عن هويتهم الخاصة وتنمية احترام الذات؛
• القدرة على استعادة التقنيات التقليدية والممارسات الخاصة بجمع وتخزين المياه (بالنسبة للمحاصيل والماشية، وأيضا من أجل المحافظة على الغابات)؛
• القدرة على الدفاع عن الممارسات المتعلقة بتدبير الموارد الجماعية وإحيائها (المراعي والغابات والمياه، الخ)؛
• تعزيز القدرة على تطوير الممارسات الزراعية التي تحترم البيئة،
• إقامة علاقات مباشِرة وأكثر مسؤولية تستجيب للأسواق و لانتظارات السكان، وإقامة شبكات قائمة على “نظام محلي” يعزز التآزرات المحلية والتعاون بين مختلف الفاعلين في المجالات السوسيو اقتصادية والثقافية بالمناطق القروية؛
• الاستخدام الأمثل للطرق البيولوجية للزراعة وتربية المواشي التي تضمن رعاية الحيوانات وتحافظ على البيئة؛
• الحفاظ على الصحة وعلى سلامة البيئة من خلال تفادي الممارسات الفلاحية الضارة؛
• تطوير أنشطة ومهارات جديدة، مع مواكبة الكفاءات المتوفرة حاليا من خلال توفير الانتقال نحو اقتصاد أخضر،
• توفير فرص عمل جديدة استجابة للأنشطة المعرضة الاندثار في حال عدم ملاءمتها للبيئة؛
• تعزيز المساواة بين الجنسين، وبشكل أعمّ، التوفيق بين الأهداف التنموية الصديقة للبيئة والأهداف الإنمائية للألفية؛
• تطوير القدرة على استخدام وإنتاج الطاقة انطلاقا من المصادر المتجددة؛
• تنويع الأنشطة بالأراضي الفلاحية؛
• تحسين قدرة السكان على توفير سياحة مستدامة؛
• تطوير قدرة السكان على المشاركة في الحياة السياسية للمجال القروي الخاص بهم.
VI شريحة واسعة من الأطراف المعنية
يشكل موضوع المؤتمر فرصة لدعوة أطراف معنية جديدة (مثل المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال التعاون الدولي والمنظمات الفلاحية و الجمعيات المدافعة عن الاستهلاك الغذائي المسؤول، كمنظمة Slow Food، والشبكات المختلفة الخاصة بالدفاع عن التجارة العادلة والاستهلاك العقلاني، الخ.)، و كذا مؤسسات جديدة من أجل معالجة مواضيع جديدة.