السيد الرئيس
حضرات السيدات والسادة،
لا تخفى عليكم الأهمية التي ما فتئ يوليها المغرب لحماية البيئة منذ حصوله على الاستقلال. لقد كانت قضايا البيئة تستأثر بالاهتمام البالغ لوالدي المنعم جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث بادر، رحمه الله، إلى جعل المغرب يراهن على برنامج طموح لتعبئة الموارد المائية، وهو ما أصبح يضرب به المثل في الأوساط الدولية، وجعل والدي المنعم يحظى بتقدير خاص على المبادرات الجليلة التي اتخذها في هذا المضمار، بحيث تم إحداث “جائزة الحسن الثاني الكبرى للماء”، التي منحت للمرة الأولى في شهر مارس من سنة 2003، على هامش المنتدى العالمي حول الماء المنعقد بمدينة طوكيو باليابان.
وعلى نفس النهج، يعمل جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، على ربط إشكالية البيئة بالتنمية المستدامة. وفي إطار استراتيجية ترتكز على نظرة شمولية لمحاربة الآفات المسيئة لكرامة الإنسان وبيئته، فضلا عن المبادرات التي اتخذها جلالته لمحاربة الفقر والسكن غير اللائق وتعزيز البنيات التحتية في كافة أرجاء البلاد، سواء تعلق الأمر بالعالم القروي أو المراكز الحضرية، في نطاق مقاربة شمولية لإعداد التراب الوطني.
وقد واصل المغرب بكل إقدام، سياسته الرامية إلى الحفاظ على البيئة، مجسدا التزامه بالانخراط في كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، لاسيما تلك المنبثقة على بروتوكول ريو المتعلقة بتنوع الأحياء، ومكافحة التصحر والتغيرات المناخية، علاوة على بروتوكول كيوطو الذي وضعت بشأنه إجراءات تطبيقية تم ضبطها في المؤتمر الوزاري السابع للأطراف في الاتفاقية الأممية بشأن التحولات المناخية، الذي انعقد بمدينة مراكش في شهر نونبر 2001.
وقد بلور المغرب التزاماته الدولية في هذا الشأن بوضع منظومة تشريعية وطنية تضمنت على الخصوص القانون الإطار حول حماية البيئة والنهوض بها، والقانون المتعلق بدراسة ما تتعرض له البيئة من تأثيرات سلبية، والقانون المتعلق بالحفاظ على الهواء.
إن المغرب الذي عرف نموا ديموغرافيا هاما إلى حد ما خلال العقود الأربعة الأخيرة، يواجه ظروفا مناخية صعبة، مرتبطة بفترات الجفاف الحاد، التي ساهمت في تفاقم ظاهرة التصحر، وأفرزت هجرة مكثفة للسكان القرويين نحو المراكز الحضرية. وقد أدى هدا التدفق الذي لم يتم إعداد التجمعات الحضرية له بشكل جيد، إلى تدهور البيئة واستنزاف الموارد، مما حال دون نجاح برامج التنمية التي اتخذتها السلطات العمومية.
أمام هذا الوضع وما يتطلبه من حلول عاجلة، كان لزاما على المغرب أن يواجه تحدي التنمية المستدامة وذلك من خلال التفكير العميق والتشاور، اللذين انبثق عنهما مخطط وطني طموح وواقعي، في نفس الوقت تم إشراك كافة الفاعلين في بلورته، من إدارات عمومية، وجماعات محلية، وجمعيات وفاعلين اقتصاديين. ويتضمن هذا المخطط الوطني مبادرات مندمجة، ملموسة، تهدف إلى مواجهة ندرة الموارد المائية وتردي جودتها، ومحاربة التصحر وتلوث الهواء، وتقديم الحلول لجمع ومعالجة النفايات السائلة والصلبة.
غير أن نجاح هذا المخطط الوطني يظل رهينا بانخراط جميع المغاربة الذين عليهم أن يجعلوا منه واجبا أخلاقيا، مساهمين بفعالية ووعي في حماية بيئتنا وكوكبنا الأرضي.
وانطلاقا من اقتناعي الشخصي بأهمية الانخراط الفردي في هذا الورش الكبير قمت منذ مرحلة مبكرة بمبادرات وإن كانت متفرقة فإنها كانت تحمل في طياتها مغزى تربويا لصالح البيئة. هذه المبادرات التي جعلت والدي المنعم طيب الله ثراه يأتمنني في سنة 1999، على مهمة توحيد ذوي النوايا الحسنة والشركات المواطنة حتى “نعيد الابتسامة إلى شواطئنا وتزهر مدننا”. وبفضل الدعم الذي قدمه شركاؤنا، الذين أصبحوا بعد ذلك أعضاء فاعلين في مؤسسة محمد السادس، وكذا بالاهتمام الذي أولوه للأنشطة التي انطلقت منذ ذلك الحين، برزت روح تعبوية من أجل البيئة جديرة بالتنويه.
لقد قرر جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي يولي عناية خاصة لثقافة المواطنة ولدور الجمعيات في نشر هذه الثقافة في جميع المجالات، وخصوصا في مجال المحافظة على البيئة، إحداث مؤسسة، في هذا المجال، تحمل اسمه الكريم، وأسند إلي، حفظه الله، شرف رئاستها. الذي هو تكليف في نفس الوقت. وإن قبولي لهذه المهمة نابع من الاحترام الذي أكنه لذكرى والدي المنعم الذي جعل من المحافظة على البيئة، طوال حياته، إحدى أولوياته، حيث بادر منذ 1964، إلى اتخاذ قرارات استراتيجية في ميدان حيوي ألا وهو الماء، إنها كذلك وسيلة للتعبير عن عزمي كأم على توفير بيئة سليمة لأبنائنا وكذا اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بإعطاء أبعاد ملموسة لسياسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تتوخى تحسين ظروف العيش للمغاربة.
السيد الرئيس
حضرات السيدات والسادة
تسعى مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة إلى أن تكون فضاء للتفكير والتشاور، لمواكبة مبادرات محددة الأهداف والعمل على إنجاحها في إطار من التوافق، يلزم كافة الأطراف المعنية على الانخراط في تلك المبادرات بغية إنجاحها وضمان استمراريتها. ويتشكل مجلس إدارة المؤسسة من مقاولات مواطنة، يحدوها عزم قوي في النهوض بثقافة حماية البيئة. لذا يطيب لي أن أحيي الروح العالية التي تحرك هذه المقاولات، وباقي شركاء المؤسسة، الذين تمكنا بفضل دعمهم ومساندتهم، من بلورة مبادرات ومشاريع كبيرة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
برنامج “شواطئ نظيفة”، يهدف إلى توفير فضاء ملائم للاستجمام لفائدة المصطافين ؛ والذي سيمكن نجاحه من اعتماده كبرنامج وطني واسع، يحرز المغرب من خلاله على شارة “اللواء الأزرق” ؛
برنامج “مدن مزينة بالأزهار”، يهدف إلى إيلاء اهتمام خاص بالحدائق والمنتزهات المعروفة، في احترام كامل لطابعها الأصلي، مع إمدادها بالتكنولوجيات الحديثة لفائدة الشباب ؛
برنامج “كاليتير” (جودة الهواء) الذي يشكل “تقليص الانبعاثات الغازية” أحد مكوناته، وأولى الأولويات، اعتبارا لما لها من آثار على الصحة ويتعلق الأمر بمساعدة كافة الشركاء المعنيين على تنفيذ برنامج منسجم يفضي إلى التطبيق الفعلي للمقتضيات التنظيمية المعمول بها في هذا الشأن ؛
التربية البيئية التي أعتبرها شخصيا المشروع الأساسي الذي بدونه لا يمكن ضمان استمرارية أي عمل. ويتضمن دمج التربية الأساسية في السلك الابتدائي من خلال تزويد المدرسين بالأدوات التعليمية اللازمة، واليقظة على صعيد التعليم الثانوي، من خلال إحداث وتجهيز أندية مهتمة بالبيئة، وأخيرا إشراك تلاميذ الثانويات في برنامج “الصحفيون الشباب” الذي جعلنا نجاحه موضوع النقاش والتفكير على الصعيد المحلي بين كافة الشركاء المعنيين.
“بونظيف”، وهو برنامج تلفزيوني يستقطب العديد من المتتبعين يوميا، وتتمحور وقائعه حول أسرة ناشطة في البيئة، سرعان ما تبوأت مكانة مرموقة داخل الأسرة المغربية. ويساهم هذا البرنامج من خلال نصائحه في ترسيخ ثقافة المواطنة فيما يتعلق بحماية البيئة.
لقد تم التخطيط لبرامج أخرى في السنة المقبلة، لاسيما برنامج “المفاتيح الخضراء” و”الأحياء البيئية” و”المدارس البيئية”، التي ستساهم في تقوية تعاوننا داخل مؤسسة التربية على البيئة، التي تشرفنا بالانخراط فيها في شهر يونيو 2002، إدراكا منا بأن تبادل الخبرات والتجارب وتمكين شبابنا من ولوج شبكات تتيح لهم فرصة التحاور مع زملائهم الأجانب،وكل ذلك من شأنه أن يعزز خيار المغرب في انفتاحه على العالم.
ولن يفوتني في ختام كلمتي هذه، أن أتوجه بشكري واحترامي إلى كافة شركائنا وكل من تفضل برعاية تظاهراتنا. كما يطيب لي أن أجدد الترحيب بكافة المشاركين، متمنية لهم كامل النجاح والتوفيق في أشغالهم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته