جميعا من أجل بيئتنا

خطابات صاحبة السمو الملكي

19 مارس 2007

19 مارس 2007

 

وإذا كان العمل الذي نقوم به اليوم فقط يهم مدينة مراكش، فإننا نتطلع إلى توسيع نطاقه ليشمل كافة الواحات المنتشرة عبر ربوع المملكة، وبلورته في إطار سياسة وطنية حقيقية تخضع لتشريع ملائم وأساليب تدبيرية أكثر نجاعة، مع الاستفادة مما يتيحه البحث العلمي في هذا المجال.

إن الواحات المغربية، التي يعود أقدمها إلى أزيد من 2000 عام، تعد، بالفعل، فضاءات تخضل بالحياة وتنعم بالسكينة في قلب الصحراء.

فعلاوة على الدور الهام الذي لعبته هذه الواحات في بلادنا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فإنها تكتسي أهمية حقيقية بالنسبة للأنشطة الفلاحية والسياحية، فضلا عن كونها تشكل تراثا زاخرا له أهميته من الناحية التاريخية والثقافية والبيئية، مما حدا باليونيسكو إلى إدراجه ضمن شبكة محميات المحيط الحيوي عالميا.

لكنه تراث مع الأسف، يتدهور باستمرار، ويواجه تهديدا بالانقراض بسبب تضافر عوامل سلبية لها علاقة بالجفاف والتصحر وملوحة التربة، وفقدان التنوع الحيوي، فضلا عن ضعف المردودية وقلة الاستغلال العقلاني لواحات النخيل.

وغالبا ما تضطر هذه الوضعية المزرية سكان الواحات إلى التخلي عن هذه الفضاءات الحيوية وسلوك طريق الهجرة، قاصدين وجهة أخرى بحثا عن موارد لحياة أفضل.

ومن هنا تبرز أهمية عملكم باعتباره سيمكنكم لا محالة من رسم الخطوط العريضة لاستراتيجية واضحة المعالم تتسم بالواقعية وتندرج منطقيا في سياق التنمية المستدامة، وذلك من خلال التدخل القائم على التشاور والتنسيق بهدف التعامل مع ما تنطوي عليه هذه المشكلة من تداعيات بيئية واجتماعية واقتصادية.

ويكمن الهدف من وراء ذلك كله في النهوض بالواحات التي، علاوة على الدور الاجتماعي والاقتصادي الهام الذي تلعبه، تعتبر حاجزا بيئيا ينتصب للحيلولة دون تفاقم ظاهرة التصحر، ونموذجا لما ينبغي أن تكون عليه التنمية المستدامة للموارد الطبيعية، لا سيما منها الماء.

إن ما يبعث على عميق الارتياح ما أنجزته مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة – بفضل الانخراط القوي لرئيستها صاحبة السمو الملكي الأميرة للاحسناء، وكذا بالتعاون المثمر من لدن عدد كبير من الفاعلين والجمعويين – في العديد من أعمال حماية البيئة، مثل برامج “مدن مزهرة”، و”شواطئ نظيفة”، و”التربية البيئية” و “جودة الهواء”. لذا، فإن المؤسسة مدعوة اليوم إلى تعبئة الفاعلين الوطنيين والارادات الحسنة والمبادرات الجادة، من أجل تفعيل هذا البرنامج الطموح، الذي يتوخى العناية بالواحات وإعادة الحياة لها، من خلال العمل على حمايتها والاستفادة من منافعها الاقتصادية، فضلا عن تمكين سكانها المعنيين من جني العائدات الناتجة عنها وبالتالي تحسين ظروفهم المعيشية.

صاحبة السمو الملكي،

حضرات السيدات والسادة،

إننا نثمن عاليا العملية الرامية إلى تنمية واحة النخيل في مراكش، هذه الدرة النفيسة التي لا جدال حول قيمتها النادرة، وما تكتسيه من أهمية خاصة في بلادنا. وعلى الرغم من أن نوعية النخيل الذي ينمو فيها تعد من بين الأصناف الثانوية، فإنها تتميز بتنوعها الحيوي الزاخر بتعدد مكوناته المتباينة. وتتجلى أهم سماتها في كونها تشكل تراثا ثقافيا من الطراز الأول، على غرار المباني والمآثر التاريخية الزاخرة التي تتميز بها مدينة مراكش.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الموقع ذا الدلالة الرمزية والبعد الأسطوري، الذي تستقي منه المدينة هويتها وطابعها المميز، يتعرض حاليا لمخاطر التلاشي، بفعل تكالب الجفاف، وضغط الأنشطة البشرية، وغياب الرعاية والعناية وإصابة أشجار النخيل بالشيخوخة، وضعف عمليات التشجير.

لذا، يجب العمل على مواجهة هذا الوضع، من لدن مؤسستكم، بتنسيق مع كافة الهيئات والمنظمات المعنية، وذلك بتفعيل مشروع حماية وتنمية واحة النخيل بمراكش.

ويتعلق الأمر هنا بإنعاش هذا الفضاء البيئي والنهوض به من خلال إعادة تشجير الواحة وتحسين التقنيات الزراعية للتدبير والعناية بالنباتات والتربة، والتوعية بقضايا البيئة والتنمية المستدامة بإنشاء متحف بيئي يتعين إدراجه في إطار شبكة دولية لتبادل المعلومات والتجارب حتى يتسنى إضفاء بعد دولي عليه.

كما ينبغي أن يخضع هذا البرنامج الدال والممتد على مراحل، للمتابعة والتقييم بانتظام، مما سيتيح للمؤسسة، باعتبار الدور التحفيزي الذي تضطلع به في هذا الصدد، إمكانية تدارس ما تم إحرازه من تقدم مع شركائها، وإعادة النظر في الأولويات المسطرة عند الضرورة، ورسم التوجيهات الملائمة للقيام بأعمال أكثر تناسقا ونجاعة.

ولدينا شعور بالارتياح لكون هذا المشروع الطموح قد حقق انخراط الإدارات العمومية المعنية فيه، من خلال التوقيع على اتفاقية للشراكة مع المؤسسة بهدف القيام بأعمال الصيانة وإعادة الاعتبار والمراقبة، فضلا عن إشراك الفاعلين الاقتصاديين من أجل توعية السكان بضرورة المحافظة على هذا الموروث.

كما نلاحظ بارتياح أن السلطات العمومية قد شرعت فعلا بالقيام بأعمال ملموسة بهدف تيسير إنجاز المشروع الرامي إلى حماية واحة النخيل في مراكش. لذا، فقد تم إعداد مشروع قانون خاص بحماية أشجار النخيل، وهو يوجد الآن في طور المصادقة عليه من لدن البرلمان. وعلاوة على ذلك، تم تعزيز التدابير ذات الصبغة العمرانية من أجل ضمان حماية أفضل للواحة، فيما قامت مديرية الجماعات المحلية بتعبئة الجزء الأول من الاعتمادات المرصودة لتمويل المشروع، بهدف إعطاء الانطلاقة لبرنامج الغرس وإنجازه.

بيد أن السلطات العمومية، على الرغم مما لها من دور أساسي ينبغي أن تضطلع به في إطار التنمية المستدامة، لا يمكن لها أن تعمل بمفردها. لذا ينبغي العمل بقوة على تشجيع ودعم انخراط المجتمع المدني والمواطنين في هذا الورش.

وكونوا على يقين بأن مشروع إعادة إحياء هذا التراث الطبيعي يحظى برعايتنا السامية، وأننا سنظل نوليه العناية اللازمة، بتشجيعكم على البقاء معبئين للتصدي لحالة التردي التي تتعرض لها واحتنا، وكذا الحفاظ عليها وإعادة الحياة لها والنهوض بها.

والله تعالى أسأل أن يبارك أعمالكم ويعينكم على بلوغ هذا المقصد النبيل، خدمة للتنمية في بلادنا وسعيا إلى تحقيق الازدهار لشعبنا العزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الأعلى
خطاب
08 ديسمبر 2023

صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف جلسة رفيعة المستوى حول شراكة التعليم الأخضر – الجمعة 8 ديسمبر 2023

صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف جلسة رفيعة المستوى حول شراكة التعليم الأخضر – الجمعة 8 ديسمبر 2023